كم من طفل كان في غزة يراه والداه وفجأة يتبخر مع دخان القنابل وبرق الصواريخ، ولا يبقى منه إلا ملابس ممزقة كقلب والديه. وكيف الحال .. إذا كان الوالد أبكم وأصم!
كان منير يعاني الصمم والبكم منذ ولادته ... وكان لديه بيت أصبح أثرا بعد عين في الحرب الأخيرة على غزة ، وكان يعيش مع أطفاله في غرفة صغيرة في منجرة ، وفقد ابنه علي في القصف على شرق جباليا ، علي الطفل الأكثر ذكاءً والذي كان يعشق الألعاب الألكترونية ولعبة " الجلول ".. وبقيت في ذاكرة منير أيام جميلة عنه.
كيف يمكن أن نعيد تصوير المشهد الكابوس ، مع رجل أصم وأبكم ، لو كان يملك القدرة على الحديث لقال لنا : علي كان يلعب في هذا المكان ، وهنا وجد أشلاءه وما تبقى من ملابسه.
المكان بعدما تركته القوات الإسرائيلية.. منازل سويت بالأرض .. وأطفال شهودٌ على المأساة لكنهم يلهون الآن تحت الأنقاض ، منير قادنا إلى المكان الذي قتل فيه ولده مع ثلاثة أطفال آخرين ، لا شيء تغير هنا إلا غبار محا ما سال من دمائهم في ساعة اللعب.
كل الحروب سيئة ، لأنها لا تميز بين المدنيين وغير المدنيين ، ولأن أطفالا مثل علي أصبحوا وقودا لها ، فيما لم تترك الحرب للأب الأصم الأبكم سوى ذكرى من ولد كان وظل وحيداً وذكرى بيت يريد الأب أن يكون ناطقاً مفوهاً أكثر منه وشاهداً في سجل المأساة الفلسطينية.